بين الحقيقة العلمية و نظرية المؤامرة
تزايد في الآونة الاخيرة الحديث عن ما بات يعرف اليوم بحرب المناخ و يقصد به إمكانية التحكم في المناخ .. الذي بات يشهد اليوم تقلبات غريبة حيرت العلماء و جعلت من الصعب جداً التنبؤ بالاحوال الجوية بالاعتماد على النظريات التقليدية و التي تعتمد بدورها على نظريات علمية لإمكانية تسلسل حدوث الظواهر الجوية مثل حركة مناطق الضغط الجوي التي تؤثر و تتحكم في حركة الرياح و سرعتها و إتجاهها مما يتيح تصنيف شدة الرياح و مدى تأثيرها و مثال ذلك الاعاصير التي تصنف إلى خمس مستويات من حيث شدتها.
كما أن هناك طرق أخري للتوقعات الجوية على المدى الطويل بحسب الدورة الشمسيـة التـي تمتـد لمـدة 12 سنـة و التي تتذبـذب فيها درجـات الحرارة و معدل هـطول الامطار و غيرها بحيث تتغير المعطيات من اقصى قيمة الى اقل قيمة كل ست سنوات، ولكن هذه النظرية أيضاً تعرضت للتشكيك بعد ان تم إعتمادها منذ بداية تعرف الإنسان على تأثير الرياح الشمسية على مناخ الارض ، نظراً لما حملته الوقائع العلمية من تغيرات لم تكن متوقعة.
و مع التغيرات التي لحقت بالغلاف الجوي نتيجة النشاطات البشرية زاد حياد الظواهر الجوية عن مسارها المتوقع المعهود فزاد عدد الأعاصير التي تضرب في مناطق من العالم لم تعهدها من قبل هذا بالإضافة إلى أمواج المد المحيطية المدمرة و الجفاف و معدلات هطول الامطار التي تفوق المعدل المعتاد بأضعاف ، إذاً تغيرت الثوابت المناخية فأخذ علماء المناخ و المختصين بفيزياء الغلاف الجوي بالبحث في الاسباب وراء هذه التغيرات و التي لم يعهدها البشر منذ بداية رصده للمناخ و محاولة وضع قواعد له و هل ستكون عواقب هذه التغيرات بوتيره أسرع في المستقبل و هل ستكون اكثر كارثية مما هي عليه الآن؟
و لكن هل في الأمر خطب ما ؟.. هل هي تغيرات طبيعية نتيجة تغير تركيبة الغلاف الجوي أم هي نتيجة تقادم عمر كوكب الارض المديد ...و هل للانسان يد في ذلك بقصد التلاعب في المناخ و ربما إستخدامه كسلاح؟؟.
و بعيداً عن ما قد يُعتقد أنه نظرية المؤامرة لنحاول سبر أغوار هذا الموضوع من وجهة نظر علمية من خلال البحث في مصادر إعلامية مختلفة تناولت هذا الموضوع من وجهات نظر متعدده و لندع للقارئي الكريم الحكم على ذلك.
ترجع محاولة الانسان للتحكم في الطقس إلى عقود بعيدة و من اكثر تلك المحاولات هي محاولة إستمطار أو إستحلاب السحب أو ما يعرف بزراعة السحب و لليبيا و دول أخرى كثيرة محاولات جادة منذ سنوات طويلة في الاستفادة من تلك التقنية لمحاولة زيادة كميات الامطار التي تهطل عليها خاصة مع الحاجة الماسة للمياه في المناطق ذات الطابع الصحراوي الجاف، و أجمع العلماء أن إستحلاب السحب برشها بمواد كيماوية تجعلها تطلق ما تحويه من مياه هو لا شك يزيد من إحتمال الاستفادة من السحب الممطرة و لكن لم تكن هناك أرقام واضحة بنسب تلك الزيادة رياضياً. كما انه ليس ببعيد علينا أولمبياد بيجين الماضي و الذى تم فيه التحكم بالسحب حتي لا يفسد هطول الامطار حفل الافتتاح الذى كلف عشرات الملايين من الدولارات و كذلك هو الحال في إحتفلات عيد النصر في موسكو الذى مضى بدون أمطار بعد التدخل لمنعها صناعياً ، و لاوجود للأسرار هنا ففي كلتا الحالتين شاهد السكان طائرات ترش مواد غريبة في السماء .. إذاً لم لا.. ، كما أن بعض دول الخليج العربي سعت من خلال بعض البرامج إلى محاولة تغيير مناخها بنفس تلك التقنيات و لكن يبدو ان المحاولات لم تلق النجاح المطلوب .. نعم يمكن التحكم في بعض الظواهرالمناخية الطبيعية طالما ان الانسان يمكنه زيادة معدل الهطول او منعه إذاً هذا بدون شك سلاح فعٌال و خطير إذا ما كانت هناك نية لاستخدامه كسلاح ، و هذا ما قد يكون دعا رئيس كوستاريكا إلى التصريح بأن بلاده تتعرض لهجوم مدبر بعد أن ضربت كوستاريكا أعاصير سببت فياضانات عارمة و دمرت مساحات واسعة من البلاد، إن ما حدث قد يكون من صنع البشر؟؟ و هناك تصريح مشابه للمستشار الالماني السابق و الذي صرح بان الفيضانات التي إجتاحت بلاده تثير الكثير من الشكوك ، و كما نعلم أن القادة لا يلقون تصريحاتهم جزافاً على غرار العامة من الناس حيث أن مثل هذه التصريحات مبنية على معلومات من مستشارين و هم في هذه الحالة علماء المناخ في الغالب.
و هناك سؤال يطرح نفسه بشدة لماذا ضرب الجفاف كوريا الشمالية فقط لسنوات طويلة في حين لم تشتك الدول المجاورة من ذلك ؟؟
و حتى لا يختلط الامر على القارئ الكريم فغالباً ما يُشاهد خط من الدخان الابيض خلف الطائرات التي تحلق على إرتفاعات عالية خاصة في فصل الشتاء حيث ان هذه الظاهرة تحدث نتيجة تكثف الغازات الساخنة التي تخرج من محركات الطائرة و التي تبلغ حرارتها حوالى 600 درجة مئوية و تتكثف عند خروجها لدرجة حرارة قد تنخفض إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر، و هذه ضاهرة طبيعية لا لبس فيها.
و بالعودة إلى نظرية المؤامرة و التي تشهد قبول متزايد في الولايات المتحدة الامريكية بأن هناك خطب ما في موضوع تغير المناخ ، خاصة بعد ان قُدمت شكاوي من آلاف الامريكيين إلى منظمات حكومية تطالب بالتفسيرات للتغيرات المناخية مما دعا أربع وكالات حكومية في الولايات المتحدة سنة 2000 إلى إصدار بيان لتوضيح ماهية خطوط الدخان البيضاء التي تتركها الطائرات وراءها و ذلك سعيا لدحض الشائعات و لتفسير الامر بشكل علمي.
و خطوط الدخان تلك المعروفة بإسم (Chemtrails) لا يقصد بها هنا خطوط الدخان العادية التي تسببها عوادم الطائرات أو طائرات رش المحاصيل الزراعية أو طائرات زراعة السحب و لكن المصطلح يرمز لعمليات غير مثبتة بالدليل لطائرات ترش مواد كيماوية من إرتفاعات عالية غير موجودة في المواد المكونة لعوادم الطائرات الاعتيادية، بعض الداعمين لهذه النظرية يعتقدون أن الغاية من إطلاق تلك المواد في السماء قد يكون لغرض تكوين سحابة كبيرة تغطي جزء من سطح الارض لعزلها عن اشعة الشمس لتخفيف الحرارة و يمضي البعض الآخر إلى ما هو أبعد من ذلك بأن الغرض من تلك العمليات المشبوهة هو التحكم في الكثافة السكانية في بعض المناطق من العالم ... خاصة مع ما تسببه تلك المواد الكيماوية من مشاكل في الجهاز التنفسي و مشاكل صحية أخرى.
إذاً هناك فعلاً ما قد يدعو للريبة من ماهية تلك المواد حيث بدأت نظرية المؤامرة بالظهور سنة 1996 عندما اتُهم سلاح الجو الامريكي بإطلاق مواد غير معروفة من طائرات من خلال خطوط الدخان الغير إعتيادية المتكونة خلفها , و على الفور رد سلاح الجو الامريكي على تلك الإدعائات المضللة واصفاً إيها بأنها مجرد جزء من ورقة بحثية جامعية موضوعها التحكم بالمناخ كمصدر قوة بحلول سنة 2025 و كانت تلك الورقة من ضمن برنامج علمي سري تحت إشراف الحكومة الامريكية الهدف منه وضع برنامج تطوير إستراتيجي لتحقيق السيطرة العسكرية الامريكية بحلول العام 2025.
من جهته أنكر سلاح الجو الامريكي بشدة قيامه بأي تجارب من هذا النوع أو أن يكون هناك برنامج معد مسبقاً لهكذا نوع من التجارب و أشار إلى ما سماه أكاذيب تم دحضها من قبل جامعات مرموقة و مؤسسات أبحاث و وكالات أنباء كبيرة نفت كلها وجود العادم الكيميائي. كان هناك قصص مختلفة عن نظرية المؤامرة المتعلقة بسحب الدخان البيضاء التي تخلفها الطائرات خلفها و كان من أسباب إنتشار تلك النظريات خاصة في الولايات المتحدة تداولها بشكل مكثف في مواقع الانترنت و شبكات الراديو المحلية فمن خلال بعض النقاشات التي تمت بالخصوص تم تشخيص المواد الكيماوية على انها تتكون من أملاح الباريوم و الألمنيوم و ألياف البوليمر و الثوريوم أو السيليكون الكربوني , وهناك نظريات أخرى غير مثبة بالبرهان على ان السماء قد تم رشها بمواد موصلة كهربائياً كجزء من برنامج السلاح الكهرومغناطيسي و الذي يعتمد بشكل رئيسي على برنامج يهدف لتنشيط الطبقات العليا بترددات عالية , و لعله من المهم محاولة فهم كيف تكونت تلك النظريات عند العامة ، ربما بسبب التقنيات الحديثة جداً التي بدأت تستخدم في الاسلحة الحديثة
و التي كانت في الماضي القريب تشاهد في أفلام الخيال العلمي و التي تاتي من خلال تجارب لتلك الاسلحة و دراسات لمشاكل الاحتباس الحراري و مراقبة التلوث و غيرها و كرد على تلك النظريات أكدت مجموعة مراكز أبحاث و جامعات امريكية أن ما يراه العامة هو مجرد الخطوط البيضاء التي تخلفها عوادم المحركات ليس إلا.
و لكن و مع إنتشار تلك الشائعات تلقى العديد من المسؤولين الحكوميين عدداً هائلاً من رسائل و مكالمات غاضبة و كان رد الفعل الحكومي بنشر وثيقة حقائق مطلع العام 2000 بواسطة وكالة حماية البيئة و الادارة الوطنية للطيران و وكالة الفضاء الامريكية و الادارة الوطنية للمحيطات و الغلاف الجوي تضحد فيه تلك الشائعات ، و لكن كانت ردة الفعل عكسية إذ تكون لدى الرأي العام إنطباع أن إجتماع هذا العدد من المؤسسات الحكومية ما هو إلا دليل على أن ما يحدث ليس مجرد شائعات بل هو حقائق تسعى الحكومة إلى إخفائها.
و في العام 2001 عرض عضو الكونغرس دينيس كوشينك مشروع قانون يمنع إستعمال الفضاء كحقل للتجارب و صنفت خطوط الدخان الكيميائية التي ترشها الطائرات من ضمن تلك الاسلحة التي تعتبر من الاسلحة السامة و التي من الممكن ان يتم حضرها و لكن و بالرغم من تكرار السناتور دينيس طلبه ثلاثة مرات لإقرار هذا القانون إلا أن كل تلك المحاولات بأت بالفشل. و لكن كيف يميز المصدقين لنظرية المؤامرة بين خطوط الدخان العادية و خطوط الدخان التي تحمل مواد كيماوية و كانت الاجابة أن المواد الكيماوية أكثر كثافة من العوادم العادية و الطائرات التي تخلفها طائرات عسكرية او على الاقل هى غير طائرات الركاب العادية و أنها تطير في مناطق معينة و على إرتفاعات معينة و لكن جاء رأي المختصين مختلف بسبب أن شكل خطوط الدخان يتغير مع تغير الحرارة و ضوء الشمس وسرعة و إتجاه الريح و الرطوبة و غيرها.
و اخيراً و بالرغم من تعدد النظريات و تعدد الآراء بين المصدق و المكذب لحقيقة السعي إلى التحكم في مناخ الارض و إستعماله كسلاح إلا أن الموضوع قد لا يعد أكثر من محاولات لتحقيق سبق في هذا المجال خاصة بعد أن حققت تجارب مماثلة و منذ زمن طويل الكثير من النجاح خاصة فيما يتعلق بزراعة السحب و منع سقوط الامطار من السحب المطيرة ، كما أن هناك محاولات جادة لتغيير مسارات العواصف و الاعاصير بتكوين مناطق ذات ضغط مرتفع برش مواد كيماوية معينة في مناطق معينة و من الناحية النظرية لاقت هذه الافكار الكثير من النجاح على الصعيد النظري و لكن قد يبقي التطبيق الفعلي بعيداً إلى حد ما من زمننا الحاضر بالرغم من التقدم العلمي السريع ، و ليس بخفي على المتتبعين للنشاطات العسكرية السرية أنه طالما إرتبط الأمر بإستراتيجيات دفاعية فان الموضوع سيبقي طى الكتمان حتي وقت ظهوره كسلاح تمت تجربته على أرض الواقع. فهل سيشد العالم قريباً سباقاً للتحكم في المناخ كسلاح فتاك .