الأدوية وسلامة الطيران
1. تظهر بين الحين والآخر إحصائيات ودراسات حول حوادث المرور في الدول الأوربية يعزى قسم كبير منها إلى تناول الكحول والأدوية من قبل السواقين إلى حد أن هناك شبه اتفاق قانوني على تحديد نسبة الكحول في دم السائق واعتبار الحد الأعلى منه 150 ملغم في 100 سم3 من الدم. وهذا الرقم في رأي الكثيرين نسبة عالية لا تمكن السائق من أحكام السيطرة التامة على السياقة والتفكير بصورة واضحة ودقيقة.
2. ففي حوادث الطيران أظهرت الإحصائيات خلال سنة 1967 أن 23% من الحوادث المميتة والتي جرى تقصيها في المختبرات كانت نسبة الكحول في دم المصابين تزيد على 150 ملغم مع أن الكحول قد اعتبر في 7% منها فقط كعامل مسبب رئيسي للحادث غير أن الاعتقاد السائد في الأوساط الطبية المختصة بطب الطيران أن التحفظ في هذا المجال جعل هذه النسبة تظهر صغيرة نوعا ما. كما أن نسبا أقل بكثير من الحد الأعلى قد وجدت في دم المصابين إذا ما أضيفت إلى العوامل البشرية الأخرى كالتعب والسهر وقلة الأوكسجين وأحيانا تعاطي بعض العقاقير والأدوية حتى لو كان بمقادير جزئية أذا أضيفت الى بعضها تشكل سببا رئيسيا للحادث.
ومن الملاحظ أن استعمال الأدوية من قبل الطيارين تلقائيا يكاد يكون على مستوى عالمي وبصورة متزايدة سنويا ويعزي هذا إلى سهولة الحصول على أكثر الأدوية بدون وصفة طبية وأحيانا يرجع إلى عدم اهتمام الطبيب المعالج أو عدم استفساره عن نوعية عمل المريض المفحوص وأحيانا تدخل الأقارب والأصدقاء بحيث يؤدي تناولها من قبل الطيارين إلى عواقب وخيمة قد تؤدي بحياة الطيار والمسافرين معه.
أن نسبة حوادث الطيران التي سببها تناول العقاقير والمخبر عنها قليلة جدا حاليا والسبب يكمن في عدم البحث بصورة صحيحة عن وجود الأدوية في الأنسجة في أغلب الأحيان أو عدم تحديد النسب المعول عليها والتي تحد من عمل المراكز العليا للطيار وتعيقها عن العمل بصورة صحيحة. وتوحي التقديرات أن كثيرا من الطيارين المصابين بحوادث الطيران القاتلة قد تناولوا الأدوية ولكن لم يتحر عن وجودها أو حتى عندما وجدت في الأنسجة لم تعط الأهمية ولم يعول عليها كسبب رئيسي للحادث.
أن أكثر التأثيرات الجانبية المضرة بالجسم والمعروفة لأغلب الأدوية مسطرة في النشرات الطبيعية لكل دواء ولكن المعضلة تكمن في كيفية التنبؤ أو الكشف عن حدوثها.
3. هناك نظرتان على الموضوع:
ففي الطيران العسكري يمنع استعمال الأدوية من قبل طاقم الطيارة بصورة مطلقة وفي غالبية الدول.
وأما بالنسبة للطيران المدني فهو غير عملي ولا يمكن تطبيقه بصورة محكمة.
على أن لا ننسى نقطة أساسية هي أن الحالة المرضية التي تستدعي استعمال الدواء يمكن أن تكون بحد ذاتها من الأسباب القوية التي تمنع الطيار من ممارسة الطيران. وان استعمال الدواء يجب أن يتم بحذر ورقابة تامة إلى أن نتوصل إلى معلومات أو عن تأثيرات الأدوية على واجبات الطيار وكفائتة البدنية والعقلية أثناء تأدية عمله في الجو.
فيما عدا بعض الفيتامينات والمقويات وقطرات الأنف التي يصفها طبيب الطيران والمنبهات (القهوة والشاي بما لا يزيد عن فنجانين) فان جميع الأدوية محذور استعمالها قبل أو أثناء الطيران وفي حالة استعمالها يمنع طاقم الطيارة من الطيران.
4. هناك بعض الأدوية التي يكثر استعمالها ولها علاقة ببعض الحالات المرضية الخاصة بالطيران أرى من الواجب أن يطلع الطيارون على بعض تأثيراتها ليكون على بينة من الأمر ليتجنب مخاطرها.
المسكنات :
من المرجح أن المسكنات (كالأسبرين ومشتقاتها والمركبات المشابهة له) من أكثر الأدوية شيوعا واستعمالا لدى أكثر الناس بدون تمييز لاعتقادهم أن تأثيراتها المضرة قليلة أو نادرة نسبيا وتحدث عند تناول جرع كبيرة منها غير أن الواقع يشير إلى حدوث حالات كثيرة من النزف في الجهاز الهضمي وخذلان عمل الكليتين الحاد وحالات تسمم وتحلل كريات الدم ودرجات مختلفة من حالات الحساسية إلى الحد الخطر ناتجة عن تناول أمثال هذه العقاقير ولو بنسب معتدلة أو قليلة.
كما لوحظ أن قابلية الإنسان على تحمل نقص الأوكسجين تنخفض كثيرا بعد تناول الساليسلات (الأسبرين) . أن بعض المسكنات التي تحتوي على مشتقات الانيلين يمكن أن تسبب نقصا في الهيموكلوبين الضروري لنقل الأوكسجين كما أن استعمال المسكنات التي تحتوي على مركبات البرومايد قد تؤدي إلى أمراض جلدية أو حتى إلى حالات من الجنون.
مضادات الحساسية :
وتدخل ضمن كثير من المركبات التجارية التي تستعمل في حالات الزكام والبرد والأنفلونزا ولها تأثيرات كثيرة غير مستحبة مثل النعاس وعدم الانتباه والتشويش الفكري والحد من العمل الذهني والدوار والتأثير على جهاز التوازن في الأذن الداخلية والتأثير على قابلية تقدير العمق ولخطورة هذه الأعراض على سلامة الطيران يمنع طاقم الطيارة من الطيران عند تناولهم مضادات الحساسية لمدة لا تقل عن 24 ساعة.
قطرات الأنف القابضة :
بما أن هذه المركبات يمكن استعمالها موضعيا في الأنف لتخفيف انسداد فتحة القناة الموصلة بين البلعوم والأذن الوسطى (قناة اوستاكي) عند انحدار الطيارة أو أثناء النزول لذا فأنها مفيدة في هذه الحالات فقط على أن لا يسرف باستعمالها إلى درجة قد تؤدي إلى زيادة سرعة النبض أو الرعشة أو إلى توسع حدقة العين وعدم وضوح الرؤية.
مضادات دوار الجو :
تستعمل أنواع مختلفة من الأدوية للتخفيف من أعراض دوار الحركة مثل السكوبولامين ومضادات الحساسية والمهدئات وغيرها . غير أن جميعها ذات تأثيرات جانبية مضرة بسلامة الطيران كالنعاس وعدم الانتباه وعدم وضوح الرؤية وعليه يمنع استعمالها من قبل طاقم الطيارة لمدة لا تقل عن 24 ساعة قبل الطيران.
غير ان هناك حالات فردية أثناء البدء بالتدريب على الطيران وخاصة خلال الساعات العشر الأولى يسمح فيها باستعمال بعض مضادات دوار الجو مثل السايكليزين والمايلكليزين لفترة محدودة تحت الإشراف الطبي وبمقادير يعينها طبيب الطيران للشخص المتدرب بعد فحصه قبل الطيران وبموافقة ومعرفة المدرب بصورة واضحة وعلمه التام عند تناول التلميذ للعلاج وان يقتصر على الطيران المزدوج فقط.
هـ. المهدئات :
أن الحالة التي توجب استعمال المهدئات بحد ذاتها كافية لمنع الطيار من الطيران ولكن في الواقع أن كثيرا من الأطباء يصف هذه الأدوية بحرية تامة دون الانتباه إلى نوعية عمل الشخص أو حتى عدم الاكتراث بالتأثيرات الجانبية المضرة لمثل هذه الأدوية وحتى بالنسبة للمهدئات التي يدعي البعض بأنها خالية ظاهريا من التأثيرات القوية فإنها ذات تأثير بين على دقة الانتباه والحكم السريع والكفاءة الذهنية والبدنية.
وفي حالات معينة قد تستدعي نوم الطيار وتهدئته ليتهيء لواجب معين بعد تمتعه بقسط كاف من النوم تعطي بعض المهدئات سريعة التصريف وعلى شرط أن يمتنع الطيار عن الشروع بالطيران قبل مضي مدة لا تقل عن 12 ساعة من تناوله الدواء.
المنبهات :
توجد بعض الأدوية مثل (الامفيتامين) لها خاصية تقليل (الإحساس بالتعب أو تأخير الشعور به لفترة محدودة (4 ساعات) وتدفع بالجسم إلى تخطي قابلياته الطبيعية لكنها ذات تأثيرات جانبية مضرة قد تسبب التهيج العصبي واختلال التحكم العقلي والشعور بالاستعلاء والتحلق في جو الأحلام كما أنها تقلل من شهية الشخص للطعام وتؤدي إلى نقص السكر في الدم إضافة إلى تقليل قابلية على تحمل نقص الأوكسجين كما أنها من المواد التي تسبب التعود أو الإدمان وعليه يمنع استعمالها من قبل طاقم الطيارة إلا في بعض الحالات الاستثنائية الخاصة التي يستوجب أكمال الواجب تناولها لفترة طيران قصيرة جدا وتحت الإشراف الطبي فقط.
أدوية الضغط :
ان ارتفاع ضغط الدم ومعظم الأدوية المستعملة لمعالجته تعتبر من العوامل التي تمنع الشخص من الطيران بصورة عامة عند استعمالها.
وحيث أن الطريقة المثلى لمعالجة ضغط الدم الأساسي الحميد المعتدل الخالي من التغييرات في العينين أو الكليتين أو تخطيط القلب يتم بسهولة عن طريق إنقاص الوزن والتقيد في تناول ملح الطعام دون الحاجة إلى استعمال الأدوية فانه من الممكن في هذه الحالة فقط السماح للطيار بالطيران بعد السيطرة على أعراض الضغط وتحت إشراف طبيب الطيران.