إن تاريخ البحرية الجزائرية ملحمة، تزخر ببطولات و أمجاد صنعها رجال أشاوس من طينة الكبار، خاضوا عباب البحر، شقوا اليابسة، و ركبوا الصعاب، ضاربين أروع الأمثلة في الشجاعة و الوطنية و نكران الذات، قهروا خلالها
الأعداء بصدهم عدة هجمات و تحرشات كانت تتربص بوطنهم، غذتها الضغينة و الهيمنة و روح الانتقام، و بسطوا نفوذهم على البحر المتوسط بفضل أسطول بحري قلب الموازين و الاستراتيجيات البحرية السائدة آنذاك، و كان بمثابة الدرع الواقي للسواحل الجزائرية و الدعامة الأساسية التي قامت عليها الدولة الجزائرية بدءا من القرن السادس عشر.
لقد كان لانجازات الأسطول الجزائري صدى منقطع النظير، فبقدر ما كان محل فخر و اعتزاز ، لحمايته و إجلائه للمسلمين الفارين من الأندلس نحو بلدان المغرب العربي، كانت محل حقد و ضغينة لدى البعض و في مقدمتهم الأسبان الذين كانوا يتحينون أدنى الفرص للقضاء عليه بشنهم عشرات الهجمات على السواحل الجزائرية، لاسيما بعد ضعف الخلافة الإسلامية و سقوط غرناطة سنة 1492.
عظمت صولة و سلطان البحرية الجزائرية قرابة ثلاثة قرون، إلى غاية مطلع القرن التاسع عشر، أصيب خلالها الأسطول الجزائري بالضعف بسبب عدم أخذ رياس البحر في تلك الفترة بأسباب التطور الصناعي، لتأتي بعدها النكسة التي تعرض لها في معركة نافارين سنة 1827، و التي فتحت المجال واسعا أمام الهجمات المعادية، مما شجع شارل العاشر ملك فرنسا للتخطيط لاحتلال الجزائر بفرض حصار بحري عليها، انتهى باحتلالها سنة 1830 .
عمدت الإدارة الفرنسية أثناء فترة الاحتلال إلى إبعاد الجزائريين عن أي نشاط له علاقة بالبحر، إلى غاية سنة 1956 بعد انعقاد مؤتمر الصومام ، حيث تم إرسال مجموعة من الشباب ينتمون لصفوف جيش التحرير الوطني للتكوين خارج الوطن في مجال قيادة المراكب، ضفادع بشرية مؤهلة لوضع متفجرات مضادة للبوارج و تفكيك الألغام.
في غمرة الاحتفال بالاستقلال، استكملت الجزائر في العصر الحديث بناءها كشعب و دولة، بعد أن حققت وحدتها الإقليمية و السياسية في الخامس من شهر جويلية 1962. في هذه الظروف، أنشئت البحرية الوطنية الجزائرية سنة 1963، نصب مقر قيادتها بوزارة الدفاع الوطني الكائن آنذاك بشارع "فرنكلين روزفلت"، لتحول بتاريخ الفاتح من جوان 1964 إلى الأميرالية.
مرت البحرية الوطنية بعدة تغيرات في هيكلها التنظيمي، أملتها الرغبة الملحة في تسيير هذا السلاح الحساس بنظرة أكثر تطورا وحداثة. ففي المرحلة الممتدة من سنة 1962 إلى 1977 كانت البحرية الوطنية عبارة عن مديرية بحرية ضمن مديريات وزارة الدفاع الوطني إلى غاية 1986 تحولت بعدها إلى هيكل سام يحظى بتنظيم و مهام خاصة.
مراحل تطور البحرية الوطنية
تركز تطور البحرية الوطنية الجزائرية، منذ السنة الأولى لاسترجاع السيادة الوطنية سنة 1962، على تكوين الإدارة وجلب العتاد الضروري لاحتياجات البلاد.
تمثلت المراكب القتالية الأولى التي باشرت بموجبها البحرية الوطنية نشاطها في:
سفينتان قتاليتان بريطانيتي الصنع من نوع كاسحات الألغام كانت تحملان على التوالي اسم "سيدي فرج"و"جبل الأوراس". (تعرضت سفينة جبل الأوراس للغرق في أبريل 1963 جراء عاصفة بحرية، فقدت البحرية خلالها ثلاثة من رجال بحريتها هم: الملازم الأول نورين علي واثنين من البحارة)؛
ثلاثة زوارق قاذفة للطوربيدات، تسلمت سنة 1963.
المرحلة الأولى من سنة 1962-1967 :
عرفت هذه المرحلة إتباع سياسة تكوين مكثف و اقتناء منشآت ووسائل قتالية كفيلة بضمان حماية السواحل من الأطماع الخارجية، و في فترة وجيزة تعززت البحرية الوطنية بسفن قتالية و أخرى للإسناد، زوارق قاذفة صواريخ صنف 183R، زوارق قاذفة طوربيدات صنف 183، سفن مضادة للغواصات من طراز 201، زوارق قاذفة صواريخ من طراز 205، سفن طوبوغرافية، سفن لاسترجاع الطوربيدات، سفن لإسناد الغطاسين وواضعي الألغام.
يعد استرجاع القاعدة البحرية "مرسى الكبير " في 02 فبراير 1968، مكسبا وطنيا كبيرا، نظرا للأهمية الإستراتجية التي تكتسيها هذه القاعدة التي مكنت البحرية الوطنية من امتلاك وسيلة للقيادة والدعـم التقني–العملياتـــي والردع في المنطقة، و التفكير في أفاق تنظيـــم و إنشاء ورشات للصناعة البحرية و العمل على نشر أهم قواتها لمواجهة أي خطر محتمل.
المرحلة الثانية من سنة 1968-1975 :
تعد البحرية الوطنية إحدى فروع القوات المسلحة الجزائرية، تضطلع بمهام دعم سياسة الدفاع التي تنتهجها الدولة و تطلعاتها، و مواجهة التحديات الكبرى التي تعرفها منطقة البحر المتوسط من خلال أدائها للمهام المسندة إليها على أكمل وجه و المتمثلة أساسا فـــي: ضمان حرية النقل البحري، حماية الهياكل و المركبات الصناعية المتواجدة على طول سواحلنا. فضلا عن مهام الدفاع، تمارس البحرية الوطنية نشاطات أخرى بعيدة عن الأزمات و الحروب، كالإسهام في شرطة السواحل، و مواجهة الأخطار كالكوارث الطبيعية و التلوث.
المرحلة الثالثة من سنة 1975-1990 :
وعيا منها بالمشاكل التي تزعزع استقرار منطقة حوض المتوسط، لاسيما فيما يتعلق بالجانب الأمني على طول سواحلنا، تجهزت البحرية الوطنية خلال هذه الفترة بسفن حربية مختلفة تمثلت في سفن المواكبة، سفن قاذفة الصواريخ، زوارق قاذفة الصواريخ، غواصات، سفن الإمداد و أخرى للإسناد.
كما تم تدعيم المصلحة الوطنية لحراس الشواطئ بـزوارق ذات طول 20 و 30 متر و زوارق مينائية ذات طول 12 متر. و بدءا من سنة 1984 تم اقتناء سفن دورية ذات طول 37.5 متر ، زوارق سريعة (نصف صلبة)، و زوارق الإنقاذ.
سعيا منها لردع أي خرق للمجال البحري الجزائري، أنشئت على طول الشريط الساحلي، أبراج مراقبة و مجموعات المدفعية الساحلية ومجموعات صواريخ الدفاع الساحلي وكتائب المشاة البحرية. أنشئت أول كتيبة في فيفري 1983 كما استلمت البحرية الوطنية خلال هذه الفتـــــرة طائرات للدورية البحرية.
سعيا منها لضمان الدعم التقني والإمداد المتعدد الأشكال، دعمت القواعد البحرية بورشات تصليح أسطولها البحري، كما تم إنشاء عدة مدارس و مراكز تكوين الضباط،ضباط صف و الجنود، في كل من تمنفوست، جيجل، أرزيو والغزوات في الاختصاصات التي تتناسب و احتياجات القوات البحرية.
المرحلة الرابعة من 1990 إلى يومنا هذا :
تعززت القوات البحرية في هذه المرحلة بكتائب للمشاة، التي كان لها دور فعال في مكافحة الإرهاب برا إلى جانب باقي وحدات الجيش الوطني الشعبي.
تم إحداث مشروع آفاق وخلق أقسام جديدة على غرار القسم البحري للغراب قاذف الصواريخ، قسم الطيران البحري و قسم الكشف ومراقبة المشارف البحرية.
تحولت القوات البحرية في الوقت الحالي إلى ورشة كبيرة بتجسيدها لعدة مشاريع عصرنة بدءا بتهيئة منشآتها القاعدية كالقاعدة البحرية الرئيسية لمرسى الكبير و القاعدة البحرية بجيجل، ثم تحديث أسطولها البحري و استلامها وحدات جديدة عززت بموجبها أمن و سلامة مجال مسؤوليتها.
تسعى قواتنا البحرية لضمان أحسن تكوين لأفرادها منذ الوهلة الأولى لتجنيدهم مسخرة في سبيل ذلك كل الطاقات و الوسائل التي تتوفر عليها.
تسلمت القوات البحرية بتاريخ 04 سبتمبر 2006، السفينة-المدرسة الصومام التي أشرف على تشغيلها فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني.
حققت قواتنا البحرية قفزة نوعية في المجال العملياتي بسعيها الجاد و الدءوب لإقامة علاقات تعاون و شراكة مع بحريات أجنبية، و خوضها تمارين ثنائية و متعددة الجنسيات (الرايس حميدو، ميداكسE ، ميداكسI و فينيكس إكسبريس) فضلا عن حملات التكوين الميداني و السفريات البحرية الطويلة المدى في أعالي البحار.
المصدر : موقع وزارة الدفاع الوطني .